الأداء
PERFORMANCE
قُبيل القرن العشرين، دخل الفنانون والإستعراضيون العرب في الولايات المتحدة مجال العروض "المثيرة" والمُربحة على الصعيد المادي، مستفيدين ومستغلين حالة الإنجذاب الأوروبي-الأمريكي إلى الثقافة "الشرقية"، وتنامي صناعة الترفيه والإستعراض على مستوى العالم. ومهّدت عروض السيرك والمتنزهات الترفيهية والعروض الجوّالة والمعارض الدولي، لبعض المهاجرين الأوائل طريقاً ومدخلاً إلى الولايات المتحدة، وأتاحت لهم فرص عمل من أجل سدّ لقمة العيش. واستمر هذا التيار والتوجه لحين ظهور صناعة الأفلام التي بدأت بالإزدهار، والتي لعب فيها الممثلون والممثلات العرب بصورة أساسية دور الشخصية "الشريرة". ومع الربح المادي الذي حققته، فقد عزّزت هذه العروض نظرة الأمريكيين المستشرقين وسلوكهم تجاه الثقافات العربية وأجساد المهاجرين العرب، وكوّنت صورة نمطية عن "العرب" بأنهم مثيرون، لكنهم النقيض المتخلف للإنسان الأمريكي "العصري". وقد قاوم بعض الفنانين والإستعراضيين هذه الأفكار الإستشراقية وتصَدّوا لها، من خلال تصوير "الشرق" مكاناً غنياً بالثقافات والحضارات العظيمة التي سبقت "الغرب" ومهّدت له. واعتبر هؤلاء أنفسهم قادرين على التوسط بين الجهتين، هادفين بذلك إلى نزع تلك النظرة المتعالية والمتعجرفة لدى الجمهور تجاههم.
الفنانون والإستعراضيون أمام شارع القاهرة في معرض (بان أميركان) عام ١٩٠١، في بَفالو، نيويورك. مكتبة الكونغرس.
المقدمة
الإستشراق
المعارض الدولية
سمات ومواضيع في "شارع القاهرة"، ضمن معرض شيكاغو، باتت جُزءاً من الثقافة الأمريكية من خلال الموسيقى والرقص، ورسخت الأفكار والنظرة النمطية نحو الشرق الأوسط. متحف التاريخ في شيكاغو.
منذ عام ١٨٧٠ سحر الفنانون والإستعراضيون العرب الجمهور الأمريكي في المعارض الدولية وأبهروهم. ففي العروض التي أقيمت في فيلادلفيا وشيكاغو وسانت لويس، إستغل الإستعراضيون ولَع الأميركيين بـ "الشرق" وعلاقتهم به، فاستعرضوا أجسادهم وعاداتهم لخلق مشاهد وعروض في الرقص الشرقي، والغناء العربي، وفي "إعادة تمثيل" جوانب من الحياة العامة والخاصة. وقد ساهمت هذه العروض بخلق فكرة نمطية عن العرب لم تلبث أن انتشرت في المجتمع الغربي وتغلغلت فيه، وأظهرت مدى فهم الإستعراضيين والفنانين العرب لهذه القيود الإستشراقية التي أدّوا عروضهم في إطارها من أجل إرضاء الجمهور والمُشاهد الأوروبي-الأمريكي.
قدّم المعرِض الكولومبي الدولي في شيكاغو عام ١٨٩٣، أول وأوسع فرصة عرّفت الأمريكيين بالثقافة "الشرقية" وآلفتهم معها. فقد جاب حينها ما يقارب ٢٨ مليون زائر أرض المعرض، البالغة مساحته ٣ كم٢، وبمشاركة من ٤٦ دولة. وكان أكثر الأجنحة شهرةً هو جناح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفيه: القرية الجزائرية والتونسية، وشارع القاهرة، وقصر المغاربة، والجناح الفارسي، والقرية التركية. لقد عكست هذه الأجنحة والأقسام (التي تَمّ بناء العديد منها وإدارتها من قبل المهاجرين العرب الأوائل) رغبات الأمريكيين في مشاهدة كل ما هو "مثير" وشرقي، ووفّرت أماكن منسوخة عن "الأصل" وبالحجم الطبيعي من المقاهي والأسواق والقرى البدوية والجوامع. فدعوا الزوار لعروضهم المباشرة في الرقص الشرقي والمبارزة بالسيوف واستعراض رجال القوة، كما أعاد الفنانون والإستعراضيون تمثيل مراسم الأعراس والزواج لدى المسلمين، بالإضافة إلى جولات ركوب الجمال والهدايا التذكارية وأطعمة الشارع المُغرية.
السيف والدرع. استخدمت من قبل مؤدّي عروض المبارزة بالسيف. المتحف العربي الأمريكي.
مبارزة السيوف
الفنانون والإستعراضيون في المخيم البدوي في المعرض الكولومبي الدولي في شيكاغو عام ١٨٩٣. هالسي سي. إيفز، المدينة الحلم: صور فوتوغرافية للمعرض الكولومبي الدولي، دار نشر أن. دي. ثومبسون، سانت لويس، ميسوري، ١٨٩٣.
مشية في شارع القاهرة
السيرك، والعروض الجوّالة، والمتنزّهات الترفيهية
بنى رجال الأعمال السوريون (جبّور) و(آكون) نسخة عن شارع في القاهرة في جزيرة كوني. وفتح جبّور أيضا مقهىً تركيا للتدخين، قهوة كايرو، في بروكلين. الجمعية التاريخية في نيويورك.
إزدادت شهرة الأداء الترفيهي والإستعراضات خلال ١٨٧٠ وبعدها، واستَخدَمت الفِرَقُ وصالاتُ الحفلات الفنانين والإستعراضيين العرب، كمهرّجين وراكبي خيول وراقصين وممثلين، لإرضاء الجمهور غير العربي المفتون بالشرق المُتخيَّل المثير.
وكانت عروض السيرك مثل "أضخم وأكبر عرض على الكرة الأرضية" لبارنوم وبايلي و"الموكب الإستعراضي الكبير الجديد" لـ(رنغلنغ بروثرز) توظف العرب، وأحيانا أكثر من ٢٥٠ ممثلاً، ليؤَدّوا عروضاً "أصيلة" من "الشرق". وخلال فترة معرض شيكاغو، ولعقدين بعدها، وظّف (بفالو بلز وايلد ويست) و(رف رايدرز اوف ذي ورلد) و(باوني بيلز فار ايست شو) ٤٠ مهاجراً عربياً للعمل كبهلويين وخيّالة مَهَرَة في "ريفيان أرابيان هورسمن (خيّالة ريفيان العربية)" و"ذي ريل صنز اوف ذي سودان (أبناء السودان الأصليين)".
وعلى غِرار ما حصل في السيرك والعروض الجوّالة، فقد استغلّت المتنزّهات الترفيهية العروض الشرقية لجذب الجمهور العام خارج إطار المعارض الدولية. ففي عام ١٨٩٤، أضاف على سبيل المثال، المنتزّه الترفيهي في جزيرة كوني، راقصات شرقيات من معرض شيكاغو مثل "مصر الصغيرة" بسبب شهرتهن الساحقة.إستخدم هؤلاء الفنانون والإستعراضيون الترفيهيون أجسادهم وعروضهم وسيلة لتعزيز وتأكيد هويّتهم العربية الأمريكية الهجينة. فقد مزجوا عاداتهم وأزيائهم الشرقية وتمثيلهم مع سِمة العمل الجاد للطبقة العاملة الأمريكية، للحديث عن حياتهم التي تخطت حدود عالمهم.
ماري بيروتي
أبدى أشخاص مثل ماري بيروتي، الملقّبة بـ "أعظم راقصة مولوية على الأرض"، قوةً مثيرةً وقدرةً على الإستمرارية أثناء عروضهم في المتنزهات الترفيهية. فهذا التقديم الذي قامت به هذه الفنانة أضاف ألواناً وطابعاً مميزاً إلى الزّي المستَوحَى من الأعلام الوطنية الذي ارتدته ماري بيروتي عام ١٩٠٨. رسم إيرين جستر، ٢٠٢٠، الصورة من أرشيف مركز خير الله.
الراقصون في معرض شيكاغو العالمي ١٨٩٣
إضغط على الصورة لعرضها بحجم أكبر
جميلة، راقصة سورية. مكتبة ذي نيوبيري.
أمينة، راقصة مصرية. مكتبة ذي نيوبيري.
ظريفة، راقصة بدوية. مكتبة ذي نيوبيرى.
جميلة، راقصة سورية. مكتبة ذي نيوبيري.
رقَصَ النساء والأطفال من العالم العربي في معرض شيكاغو الدولي عام ١٨٩٣ ضمن عرض شارع القاهرة. وافقت عروض هؤلاء النِسْوة تيار الإستشراق حينها إرضاءً للجمهور والمشاهد الغربي.
إضغط على الصورة لعرضها بحجم أكبر